رابحه الزيره - البحرين
البحرين
تتقلّب على صفيح ساخن، قلوب مكلومة لفقد سبعة شهداء أُهدر دمهم غيلةً من
السلطات في تعبير سلمي عن مطالب مشروعة!! وانشطار عمودي في أبناء الوطن
الواحد الذين طالما عاشوا معاً في سلام ووئام رغم اختلافاتهم المذهبية
ليحلّ محله الخوف من الآخر والشك والريبة في كل نواياه وانتماءاته
وتحرّكاته، ثمّ فقدان ثقة بين السلطة وشريحة كبيرة من الشعب لا يمكن إعادة
بنائها دون تنازلات وإصلاحات ملموسة تتناسب مع حجم التضحيات التي بُذلت
والأخطاء الجسيمة التي ارتُكبت.. البحرين اليوم تدفع ثمن غياب حوار حقيقي
ومخلص بين كلّ شرائح الوطن، معارضة وموالاة وسلطة، بعد أن صُمّت أسماع
أصحاب الشأن والقرار عن كل نقد بنّاء، وذهبت نصائح العقلاء على مدى عقد من
الزمن أدراج الرياح.
لعلّ كلمة "الحوار" من أكثر
المصطلحات تداولاً في هذه الأيام المأزومة، وتحديداً بعد ظهور سموّ وليّ
العهد على شاشة تلفزيون البحرين في ذلك اليوم العصيب ليدعو إلى فتح باب
"الحوار" مع كل الأطراف في البلاد بهدف نزع فتيل التوتّر وبناء الثقة بين
شركاء الوطن.. ولكن التجربة أثبتت أنّ "الحوار" من أسهل المفاهيم لوكاً على
الألسن وأصعبها فهماً وتطبيقاً، فلو أننا تحاورنا (فعلاً) على مدى العقد
الفائت لما وصلنا إلى حالة (التناحر) المحدقة بنا اليوم، وإن ادّعينا أننا
تحاورنا يوماً فلم يكن أكثر من حوار طرشان، لا يسمع كل طرف إلاّ نفسه ولا
يحترم إلاّ فكره ولا يقتنع إلاّ برأيه، ليخرج المتحاورون كما دخلوا بل أشدّ
خلافاً، فمن لم يكن مدخله صدقاً فكيف يكون مخرجه مخرج صدق؟
الحوار
ليس تفاوضاً، ولا نقاشاً، ولا جدالاً، ولكل من هذه المصطلحات ما يميّزها
عن الأخرى، ناهيك أن يكون نصائح وإملاءات، فالتفاوض يكون بين (ندّين)
مختلفين ويمكن أن يخرج كلاهما منتصرين ببعض التنازل من الطرفين، والنقاش
يكون بين (أصدقاء) مختلفين في وجهات النظر فإذا تمّ على أصول صحيحة قد
يؤدّي إلى نتيجة حسابية منطقية (1+1=2)، بينما المجادلة - إن لم تكن بالتي
هي أحسن - قد لا تؤدّي إلى أية نتيجة (1+1=0) وربما تنتهي إلى خصومة، أما
أرقى تلك المفاهيم فهو "الحوار" الذي يعبّر عن وجود رغبة لدى طرفيه للوصول
إلى معنى أعمق وفهم جديد للقضية المتحاوَر بشأنها، أي التوصل إلى فهم مختلف
في الشأن المختلف عليه، وهو حسابياً بمثابة (1+1=3) .. هذا هو الحوار الذي
تحتاجه البحرين اليوم، إن شاء المعنيّون الخروج من عنق الزجاجة بسلام
وبأقل قدر ممكن من الأضرار والخسائر.
لعلّ من أقل
الجهات استيعاباً لما يجري في البلد ولأهمية "الحوار" وسبل المساهمة في
تهيئة الأرضية المناسبة لتفعيله هم القائمون على إعداد وتقديم برامج
تلفزيون البحرين والذي وزارتهم التأزيميّة أولى بالتغيير من الوزارات
المغيّرة، وكان يُرتجى منهم أن يكونوا على درجة من حسّ المسئولية الوطنية،
وبمستوى الحدث الذي ألمّ بالوطن ليلعبوا دوراً حيادياً ومهنيّاً فاعلا لا
للتخفيف من حدّة التوتر الحاصل فحسب، بل في إعادة بناء الثقة بين المواطنين
والطوائف والسلطة لتسليك قنوات الحوار بالاستماع إلى وجهات النظر المختلفة
بأن يستضيفوا ويغطّوا أخبار الوطن بجميع فئاته ومناطقه كونهم وسيلة
الاتّصال الرسمية الأهم، إلاّ أنهم أصبحوا وسيلة تقطيع الأوصال ليتسبّبوا
في توسيع الفجوة والتباعد بين الإخوة في الوطن الواحد، ما يجعلهم مادة
للسخط والتأزيم والتندّر والاستهزاء والنفور لفجاجة التزوير والتزييف الذي
يعرضونه على مشاهديهم رغم علمهم أنّ هناك الآلاف من شهود العيان الذين
يشهدون بالدليل والبرهان على كذب مقولتهم، ومثالنا الحيّ ما حدث بمستشفى
السلمانية يوم الخميس الدامي وما حبكه تلفزيون البحرين على لسان مسئولي
وزارة الصحة في برامج أقل ما يقال عنها أنها استخفاف بعقول المواطنين.. ثم
يُساءل المواطن ويُتّهم في وطنيّته إن هو لجأ إلى محطّات أجنبية ليدلي فيها
برأيه أو يستقي منها أخبار بلده، ويُلام إذا فقد الثقة في الجهات الرسمية
التي تمثّلها مؤسسته الإعلامية فاقدة المصداقية.
هناك
من يكذب الكذبة ويصدّقها ثم يروّج لكي يصدّقها الآخرون، وهذا ما يحاول أن
يفعله الإعلام الرسمي ليوحي للمجتمع الدولي وللسُذّج من الناس بأن هناك
دعوات طائفية تحرّك الشارع.. لا ليست كذلك، فالمطالب شعبية وشرعية وملحّة
يشترك فيها الجميع وسينعم بها الجميع بإذن لله إذا ما تحققت، والضرب على
الوتر الطائفي وبالأخص من قبل الإعلاميين المأجورين لن يفيد أحداً سوى أنه
يساهم في مزيد من التشنّج الذي سيدفع ثمنه الوطن والدولة بكل قطاعاتها؛
مدارسها، مستشفياتها، وزاراتها، فالبحرينيون عاشوا أبداً معاً، ومن يحاول
تفريقهم سيكون حتماً من المحترقين بنار فتنته.
تلفزيون
البحرين مفسد لأيّ أرضية حوار، لعدم مواكبته للأحداث بموضوعية ونزاهة،
ومحاولات التعمية المستمرة والتضليل الإعلامي الذي يمارسه بسذاجة ليعرض على
شاشته صور بعيدة عن الواقع وعن نبض الشارع، وكأنه يبثّ أخبار البحرين لشعب
زيمبابوي وليس لأهل البحرين الصغيرة التي تنتشر أخبارها أوّلاً بأول
للخارج قبل الداخل، وإصراره على استضافة المؤجّجين من ذوي النَفَس الطائفي
والصوت الواحد المُطبِّل، فهو يسيء إلى أطراف البحرين المصلحة رسميّا
وشعبيّا، ويقع عليه وزر نشر الكراهية والتأزيم والشحن اللامسئول، لذا قيل
"ملعون من أيقظ الفتنة" فكيف بمن يلهب أوارها! و"الفتنة أشدّ من القتل"؟!
رابحة الزيرة
جمعية التجديد الثقافية - مملكة البحرين