كان
معن بن زائدة – رحمه الله - أحد أمراء الخليفة المنصور -أحد خلفاء الدولة
العباسية- رحمه الله - و كان مشهوراً بالحلم و الصَّبر .
اجتمع جماعة من الأعراب يتذاكرون فيما بينهم حلم معن وصبره وكونه بعيداً عن الاستفزاز.
فقام
أعرابيٌّ و قال : أنا لكم على إغضابه ، قالوا: إن قدرت على إغضابه فلك
مائة بعير، فانطلق الأعرابيّ إلى بيته وذهب إلى شاة له فسلخها ثم ارتدى
جلدها جاعلاً باطنه ظاهره ثم دخل على معن بصورته القبيحة تلك ، ووقف
الأعرابيّ أمام الأمير معنٍ ينظر إليه باستحقار تارة ينظر إلى السَّماء و
تارة ينظر إلى الأرض فأنشد الأعرابيّ للأمير :
أتذكرُ إذ لحِافك جلدُ شاةٍ
وإذ نعلاك من جلدِ البعير
قال الأمير معن : أذكر ذلك ولا أنساه يا أخا العرب
فردَّ الأعرابيّ
فسبحان الذي أعطاك مُلكاً
وعلمك الجلوس على السرير
فقال معن : سبحانه وتعالى
فقال الأعرابيّ :
فلستُ مُسلماً ما عشتُ حيا
على معن بتسليمِ الأمير
فردَّ عليه معن :
إن سلَّمت رددنا عليك السَّلام و إن تركت فلا ضير عليك
فقال الأعرابيّ
سأرحل عن بلادٍ أنت فيها
ولو جار الزمانُ على الفقير
فقال معن : إن أقمت بنا فعلى الرحب والسِّعة وإن رحلت عنا فمصحوباً بالسَّلامة
فردَّ عليه الأعرابيّ - و قد أعياه حلم معن و صبره -
فجُد لي يا ابن ناقصة بمالٍ
فإنِّي قد عزمت على المسير
فقال معن : أعطوه ألف دينار فأخذها وقال :
قليــل ما أتيت به وإنِّي
لأطمعُ منك بالمال الكثير
فثن قد أتـاك الملك عفواً
بلا عقـلٍ ولا رأيٍ منير
فقال معن : أعطوه ألفاً أخرى .
فتقدم الأعرابيُّ إليه وقَبَّل يديه ورجليه وقال :
سألتُ الجود أن يُبقيك ذخراً
فما لك في البرية من نظـير
فمنك الجود والإفضال حقاً
وفيض يديك كالبحر الغزير
فقال معن : أعطيناه على هجونا ألفين فأعطوه على مدحنا أربعة آلاف .
فقال الأعرابيّ : جعلت فداك ما فعلت ذلك إلاَّ لمائة بعير جعلت على إغضابك .
فقال معن : لا خوف عليك ، ثم أمر له بمائتي بعير نصفها للرِّهان والنِّصف الآخر له ؛ فانصرف الأعرابيّ داعياً شاكراً .