محمود المشرف العام
الجنس : البلد : العمر : 30 المهنه : الحاله : عدد المساهمات : 920 نقاط : 28136 تاريخ التسجيل : 17/02/2010
| موضوع: اضاءات على اسطوره سيزيف لالبير كامو الأربعاء فبراير 23, 2011 9:24 am | |
| أسطورة سيزيف
يجب تخيّل سيزيف سعيداً
"كانت الآلهة حكمت على "سيزيف" بأن يدحرج بلا توقف صخرة حتى قمة جبل. وبفعل ثقلها كانت الصخرة تسقط من جديد. فارتأت الآلهة، ببعض الحق، أن ليس ثمة قصاص أفظع من العمل بلا جدوى وبلا أمل." يستحضر "كامو" أسطورة هذا الشخص الذي استحق،
بسبب احتقاره الآلهة وكرهه الموت وشغفه بالحياة، "هذا العقاب الذي يستدعي كدّ الكائن بكليته في عمل لا نهاية له"، فيعرّف فيه "البطل اللامعقول". وفي اللحظة التي ينحدر
فيها "سيزيف" من جديد نحو السهل، يضفي عليه "كامو" "التمرّد" و"الحرية" و"الشغف"، الصفات التي يعرّفها في "أسطورة سيزيف، البحث في اللامعقول": وبوعيه تفاهة جهوده التي لا طائل تحتها، يسمو "سيزيف" على ما يسحقه؛ وباستحواذه على قدره الخاص، يبني كبره في النضال ويتخذ من هذا الكون الذي لا آمر لـه، السعادة الوحيدة التي يمكن للإنسان أن يبلغها.
في نهاية هذا الجهد الطويل المقاس بالفضاء الذي لا سماء لـه وبالزمن الذي لا آخر لـه، يبلغ "سيزيف" الغاية. وعندئذ ينظر إلى الصخرة وهي تنحدر في بضع لحظات نحو هذا العالم السفلي الذي يجب أن يُعاود الصعود منه نحو القمم، فينزل ثانية إلى السهل. أثناء هذه العودة، وهذه الوقفة، يستمليني "سيزيف". إن وجهاً يجهد قريباً من الحجر إلى هذا الحدّ هو نفسه حجر الآن. أتخيّل هذا الإنسان وهو ينزل ثانية بخطا ثقيلة لكنها سويّة نحو العذاب الذي لن يعرف لـه نهاية. إن هذه الساعة التي هي أشبه بالتنفس والتي تعاود بكل تأكيد مع مشقتها، هذه الساعة هي ساعة الوعي. ففي كل من تلك اللحظات حيث يغادر القمم ويغوص شيئاً فشيئاً نحو جحور الآلهة، يسمو على قدره. فهو أقوى من صخرته.
ولئن كانت هذه الأسطورة مأساوية، فلأن بطلها واعٍ. فبالفعل، أين مشقته لو أن الأمل في النجاح كان يشده في كل خطوة؟ إن عامل اليوم يشتغل كل أيام حياته، في المهمات عينها. وهذا القدر ليس أقل لا معقولية. لكنه ليس مأساوياً إلاَّ في اللحظات النادرة حيث يصبح العامل واعياً. "سيزيف" بروليتاري الآلهة، العاجز والمتمرد، يعرف مدى وضعه البائس بأكمله: ففيه يفكر أثناء نزوله. وبعد النظر الذي كان ليشكّل عذابه، يستهلك انتصاره في الوقت عينه. فليس ثمة قدر لا يُذَلَّل بالاحتقار.
إذا حصل الهبوط في الألم في بعض الأيام، فمن الجائز أن يتمّ أيضاً في الفرح. هذا الكلام ليس في الفائض. فأنا أتخيّل أيضاً "سيزيف" عائداً نحو صخرته والألم قائم في البداية. عندما تتعلّق صور الأرض بالذكريات وبشكل قوي، وعندما يصبح نداء السعادة شديد الإلحاح، يحدث أن يثور الحزن في قلب الإنسان، إنه انتصار الصخرة، إنه الصخرة عينها. إنها ليالينا في "الجِنْسِماني". لكن الحقائق الساحقة تتلاشى عندما تُكشف. هكذا "أوديب" Oedipe أذعن للقدر أولاً دون أن يدركه. ومن اللحظة عينها، وهو أعمى وقانط، عرف أن الرباط الوحيد الذي يشدّه إلى العالم، وهو يدٌ غضّة، يد صبيّة. عندئذ دوّت كلمات فائقة الحد: "إن تقدمي في السن وكبر نفسي يجعلاني أرى أن كل شيء جيّد على الرغم من كثرة المحن." هكذا "أوديب سوفوكل" L!Oedipe de Sophicle، مثل "كيريلوف دوستويفسكي" Le kirilov de Dostoievsky، تعطي الانتصار للامعقول. فالحكمة القديمة تلحق بالبطولة الحديثة.
لن نكتشف اللامعقول دون أن يستهوينا تأليف بعض الكتب في السعادة. "ماذا؟... بسبلٍ على هذه الدرجة من الضيق؟.." لكن ليس ثمة سوى عالم واحد. إن السعادة واللامعقول مولودان من أرض واحدة. إنهما لا يفترقان. ومن الخطأ أن يُقال إن السعادة تولد قسراً من اكتشاف اللامعقول. فقد يحدث أن يولد الشعور باللامعقول من السعادة. "أرى أن كل
شيء جيد" يقول "أوديب"، وهذا الكلام مقدَّس. فهو يُصدي في العالم العاتي الذي يحدّه الإنسان. إنها تُعَلِّم أن لا شيء ينفذ ولا شيء نفذ. إنها تطرد من هذا العالم إلهاً دخل إليه مع عدم رضى وحبّ الآلام التي لا جدوى منها. إنها تجعل من القدر قضية الإنسان التي يجب أن تُسَوَّى بين البشر.
هنا يكمن فرح "سيزيف" بكليته. فقدره ملكه. وصخرته هي شأنه. كذلك الإنسان اللامعقول، عندما يتأمل قلقه الكبير، يُسكت كافة معبوديه. وفي العالم الذي أُرغم على الصمت فجأة ترتفع آلاف الأصوات الضعيفة المنذهلة على الأرض. نداءات لا شعوريّة وخفيّة، دعوات لكافة الوجوه، إنها الوجه الآخر الضروري وثمن الانتصار. ليس ثمة شمس بلا ظل، وينبغي أن يُعرف الليل. الإنسان اللامعقول يقول نعم وجهده لن يتوّقف.
وإذا كان ثمة قدر شخصي فلن يكون هناك مصير أعلى أو على الأقل ليس ثمة سوى مصير واحد يحكم عليه إنه مشؤوم وجدير بالاحتقار. وفيما يخص الباقي، يعرف أنه سيد أيامه. وفي هذه اللحظة الدقيقة حيث يتفحص الإنسان حياته، يعود "سيزيف" نحو صخرته، يتأمل هذه الأعمال المتتالية بلا رابط التي تصبح قدره الذي أوجده هو نفسه، ووحّده تحت نظر ذاكرته وعما قريب سيمهره بموته. هكذا، مقتنعاً بالأصل كلّي الإنسانية لكل ما هو إنساني، وأعمى يرغب في أن يبصر، مع معرفته أن الليل لا نهاية لـه، يستمر في السير.
والصخرة لا تزال تُدَحْرَج.
أدع "سيزيف" في أسفل الجبل! يُسْتَرْجَع العبءُ دوماً. أما "سيزيف" فيعلّم الأمانة الفائقة التي تتنكّر للآلهة وترفع الصخور. هو أيضاً يرى أن كل شيء جيد. هذا العالم الذي لا سيّد لـه بعد الآن، لا يبدو لـه عميقاً ولا خصيباً. فكل حبة من حبات هذه الصخرة، كل شظية معدنية من هذا الجبل المليء بالليل، تشكّل بمفردها عالماً. إن النضال بحد ذاته نحو القمم يكفي ليملأ قلب إنسان. يجب أن نتخيّل "سيزيف" سعيداً | |
|
~*شمس الإسلام*~ المدير العام
الجنس : البلد : العمر : 31 المهنه : الحاله : عدد المساهمات : 1284 نقاط : 28558 تاريخ التسجيل : 18/02/2010
| موضوع: رد: اضاءات على اسطوره سيزيف لالبير كامو الثلاثاء مارس 01, 2011 1:10 pm | |
| اه جميله جدااا عنده ارادة لدحرجة الصخرة ما شاء الله | |
|